کد مطلب:220081 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:148

تقویة الجسم
وهو: من الناس من یكون قویا كامل الصحة فیعثر به ضعف لا یزال به حتی یلحقه بالمرضی. فأول ما یتبادر الی ذهنه أن یرحل الی الأطباء طلبا للعلاج فلا



[ صفحه 675]



یزال یتردد علی هذا و ذاك مدة حتی یتأصل فیه الضعف و تكون سمیة العلاجات قد فعلت بمعدته و أعصابه الأفاعیل.

لو كان اتبع هذا الرجل القانون الطبیعی لعادت الیه قوته من غیر أن یصرف درهما واحدا للأطباء والصیدلیات و بدون أن یعرض نفسه لخطر السموم العلاجیة فیكتسب منها أمراضا عضالا..

والقانون الصحی الطبیعی أمر غیر شاق الا علی أسری العادات أو التقالید فهو یقضی بأن یسكن المصاب فی الخلاء و ینقطع عن عمله لمدة شهرین أو ثلاثة معرضا نفسه فی أثنائها للهواء الطلق و متبعا نظاما فی الاستحمام والغذاء لا یتعداه، فیستیقظ فی الساعة الخامسة فیذهب توا الی الحمام فیدلك جسده بفوطة خشنة مبتلة بالماء ثم یخرج من الحمام الی الخلاء یرتاض نحو نصف ساعة ثم یعود فیأكل أكلة الصباح ثم یعود الی الخلاء فیشتغل أشغالا عضلیة معتدلة أو یجلس علی شواطی ء البحار أو بین المزارع، ثم یعود وقت الظهیرة فیتناول الغذاء ثم یضطجع فی سریره ساعتین بدون نوم، ثم یقوم فیرتاض فی الخلاء فی جهات یأنس بها و یرتاح الیها، ثم یعود فی المساء فیتناول عشاء خفیفا فی الساعة السابعة وینام فی العاشرة تماما فی حجرة نوافذها مفتوحة..

هذا... مع مراعاة الحمیة التامة فی الأكل فلا یأكل المنبهات الشدیدة كاللحم و لا التوابل و لا یتناول من البقول الا ما قل و یجعل عمدة طعامة الخضر والفواكه الناضجة و خصوصا العنب والتین والبطیخ محترزا من الافراط فی كل شی ء مع المداومة علی التدلك بالماء یومیا والاستحمام بسكب الماء ثلاث مرات فی الأسبوع، والاجتهاد فی ترك هموم المعیشة والخلافات البیتیة فلا یمضی علی صاحبنا فی هذه الحیاة أسبوع حتی یحس بالفارق العظیم فی جسده و عقله، فاذا استمر شهرین انقلب الی ضد ما كان علیه فعادت الیه قوته و حیویته و رجع الی عمله كأحسن ما كان علیه.

هذا هو الطریق الطبیعی المعقول للتقویة، أما الاعتماد علی العقاقیر فلا ینتج غیر الأمراض العضالة عادة، لأن أكثر العلاجات سموم قتالة و لا یصح أن یعتمد الانسان علیها الا عند عدم وجود وسیلة سواها لتسكین ألم شدید و اسعاف مغمی علیه. أما فیما عدا هذا فالشافیات التی جعلها الله رحمة للناس هی الماء والهواء و الضوء و هی حق شائع بین الكافة علی السواء.



[ صفحه 676]



هذا هو الأسلوب الطبیعی الحكیم لتقویة الجسم تقویة ثابتة من طریقها الصحیح ولكن السواد الأعظم لا یعقلون ذلك و یرون أن العقاقیر هی الوسیلة الوحیدة لاعادة القوة و یغیب عنهم أن فعل تلك العقاقیر ینحصر فی تهییج الجسم واكسابه ظاهرا من القوة، و ان أفادت الدم أضرت بأعضاء أخری، فیكون المصاب كالمستجیر من الرمضاء بالنار، فهل یطول بقاء بعض الناس فی هذا الضلال؟

ولا تنس كذلك أخا الاسلام ما ذكره ابن قیم الجوزیة فی كتابه: «الطب النبوی»، تحت عنوان: حفظ الصحة.

حیث یقول: لما كان اعتدال البدن و صحته و بقاؤه، انما هو بواسطة الرطوبة المقاومة للحرارة: فالرطوبة مادته، والحرارة تنضجها و تدفع فضلاتها، و تصلحها و تلطفها، و الا أفسدت البدن و لم یمكن قیامه. وكذلك الرطوبة: هی غذاء الحرارة، فلولا الرطوبة: لأحرقت البدن و أیبسته و أفسدته، فقوام كل واحدة منهما بصاحبتها، و قوام البدن بهما جمیعا. وكل منهما مادة للأخری، فالحرارة مادة للرطوبة: تحفظها و تمنعها من الفساد والاستحالة، والرطوبة مادة للحرارة: تغذوها و تحملها. و متی مالت احداهما الی الزیادة علی الأخری: حصل لمزاج البدن الانحراف، بحسب ذلك. فالحرارة دائما تحلل الرطوبة، فیحتاج البدن الی ما به یخلف علیه ما حللته الحرارة. ضرورة بقائه - و هو: الطعام والشراب، و متی زاد علی مقدار التحلل: ضعفت الحرارة عن تحلیل فضلاته، فاستحالت مواد ردیئة: فعاثت فی البدن و أفسدت، فحصلت الأمراض المتنوعة بحسب تنوع موادها، و قبول الأعضاء و استعدادها.

و هذا كله مستفاد من قوله تعالی: (و كلوا و اشربوا و لا تسرفوا) [1] ، فأرشد عباده الی ادخال ما یقیم البدن: من الطعام والشراب، عوض ما تحلل منه، و أن یكون بقدر ما ینتفع به البدن: فی الكمیة والكیفیة، فمتی جاوز ذلك: كان اسرافا، و كلاهما مانع من الصحة، جالب للمرض. أعنی: عدم الأكل والشرب، أو الاسراف فیه.

فحفظ الصحة كله فی هاتین الكلمتین الالهیتین. و لا ریب أن البدن دائما:



[ صفحه 677]



فی التحلل والاستخلاف، و كلما كثر التحلل: ضعفت الحرارة لفناء مادتها، فان كثرة التحلل تفنی الرطوبة، و هی مادة الحرارة، و تنطفی ء الحرارة جملة، فیستكمل العبد الأجل الذی كتب الله له أن یصل الیه.

فغایة علاج الانسان لنفسه و لغیره: حراسة البدن الی أن یصل الی هذه الحالة، لأنه یستلزم بقاء الحرارة والرطوبة اللتین بقاء الشباب والصحة والقوة بهما، فان هذا مما لم یحصل لبشر فی هذه الدار. و انما غایة الطبیب: أن یحمی الرطوبة عن مفسداتها من العفونة و غیرها، و یحمی الحرارة عن مضعفاتها، و یعدل بینهما بالعدل والتدبیر الذی قام به بدن الانسان، كما أن به قامت السموات والأرض، و سائر المخلوقات انما قوامها بالعدل.

و من تأمل هدی النبی و أهل بیته علیهم السلام، و جده أفضل هدی یمكن حفظ الصحة به، فان حفظها موقوف علی حسن تدبیر المطعم والمشرب والملبس والمسكن والهواء، والنوم والیقظة، والحركة والسكون، والمنكح، والاستفراغ والاحتباس. فاذا حصلت هذه علی الوجه المعتدل الموافق الملائم للبدن والبلد والسن والعادة: كان أقرب الی دوام الحصة والعافیة أو غلبتها الی انقضاء الأجل.

ولما كانت الصحة من أجل نعم الله علی عبده، و أجزل عطایاه و أوفر منحه بل العافیة المطلقة أجل النعم علی الاطلاق.: فحقیق لمن رزق حظا من التوفیق، مراعاتها و حفظها، و حمایتها عما یضادها.



[ صفحه 678]




[1] سورة الأعراف، الآية: 31.